أهم أسباب الفقر فى مصر، الفساد

يعد الفساد المشكلة الأكبر التى قوضت وأضعفت قدرة الدولة على تحقيق تنمية وتقدم لقطاعات الاقتصاد وللمجتمع فى مصر خلال العقود الأربعة الأخيرة .وهو أحد أهم أسباب الفقر فى مصر،
وهو كذلك السبب الرئيسى فى تزايد عجز الموازنة، وفى تضخم وتفاقم الدين العام الداخلى والخارجي، وفى أوضاع المناخ والبيئة الطاردة للاستثمار، وفى هدر وتبديد أصول وممتلكات وموارد الدولة والمجتمع. هذا فضلا عن كونه السبب الرئيسى فى تراجع وانهيار الخدمات الحكومية، وفى غياب العدالة الاجتماعية واتساع الهوة بين الطبقات الغنية والفقيرة عبر العقود الأخيرة.
لقد عانت مصر فساد تزاوج السلطة مع الثروة خلال العقود الأخيرة، واقتناص واختطاف سلطات الدولة ونظام الحكم لمصلحة نخبة محدودة، سيطرت على الجهاز التنفيذى والحكومة، وعلى المجلس التشريعى من خلال الحزب الحاكم. فتمكنت تلك النخبة من اختطاف وتوجيه سياسات الدولة ومؤسساتها بل وجهازها المصرفى وقطاعاتها الغنية بالموارد مثل البترول والغاز والإسكان وبرامج وعمليات الخصخصة التى قامت بها، لمصلحتها تحت مقولة مغلوطة وهى أن تنمية القدرات الاقتصادية لهذه النخبة ستتساقط ثماره وتستفيد منه الطبقات الأدنى. وقد تبنت هذه المقولة المؤسسات المالية الدولية لسنوات طويلة، ولم تثبت صحتها فى البلدان النامية التى أخذت بها، ومنها مصر، بل إنها فاقمت أوضاع الفقر وعدم الاستقرار فيها.

وتحت انشغال الدولة فى مصر بخدمة مصالح النخبة السياسية والاقتصادية، دون غيرها من القطاعات المجتمعية العريضة، خاصة الفقراء؛ تُرك الفساد الإدارى ليتغلغل فى الجهاز الحكومي، وأصبح مختلف مستويات الموظفين خاصة فى المستوى المتوسط والقاعدي، وكذلك المتلقون لخدمات هذا الجهاز والمتعاملون معه من عامة الناس؛ ضحية لهذا الفساد. فالأجور المدفوعة للموظفين تآكلت مع السنوات قيمتها الحقيقية، ودُفع هؤلاء دفعا بحكم الحاجات المعيشية المتزايدة تحت وطأة التضخم وأعباء الحياة وانهيار خدمات التعليم والصحة والمرافق؛ إلى الانخراط فى ممارسات طلب وقبول الرشاوى واستغلال الموقع الوظيفى والتربح منه. وساعد على هذا المسلك منظومة الإدارة الإجرائية واللائحية المعقدة التى لم تتطور لعقود طويلة، بل زادت تعقيدا وترهلا، وغابت عنها المساءلة والمحاسبة والرقابة. ومن ناحية أخرى، وجد المتعاملون مع الأجهزة الحكومية، وأغلبيتهم من عامة الناس، أن الفساد هو الوسيلة الأسرع لإنجاز معاملاتهم. وبذلك تحمل الناس أعباء الفساد إضافة إلى الأعباء المعيشية اليومية التى كانت تتزايد سنة بعد أخرى دون بارقة أمل فى تغيير ظروفهم.

ويمكن القول إنه لم تنج من التلوث بالفساد أى قطاعات أو مؤسسات حكومية. وتكاد مصر أن تكون نموذجا فى تعدد وتنوع وتغلغل الفساد فى كل مستويات الدولة وأجهزتها، حتى إن أنماط ونوعيات الفساد الموجودة فى بعض قطاعاتها مثل التعليم فاقت الخبرات والنماذج الموثقة فى التقارير والدراسات العالمية وتلك الصادرة عن المؤسسات الدولية فى هذا الخصوص. وتمثل أوضاع ونماذج الفساد فى بعض القطاعات المهمة خلال العقود الأخيرة من حيث وطأتها وآثارها، مجالات لفداحة الخسائر والهدر والتبديد للموارد والإمكانات والفرص. فقطاع البترول والغاز مثلا مثقل بالهدر والتبديد - خلال سنوات طويلة -لأصول وموارد الدولة والمجتمع، وكذلك بالإهمال فى الحفاظ على حقوق مصر فى الغاز والبترول فى مياهها الإقليمية وأراضيها. وقطاع أراضى الدولة والإسكان يزخر بعمليات النهب المنظم للأصول العقارية بتواطؤ من الأجهزة المعنية فى الدولة ومسئوليها وذلك لسنوات طويلة. ويكفى للدلالة على هذا عمليات سرقة أراضى الدولة، ومنح وعطايا وزارة الإسكان لكبار رجال الأعمال وكبار المسئولين وكبار السياسيين فى الحزب الحاكم خلال العقود الأخيرة، وأعمال الفساد التى ينخرط فيها مسئولو وزارة الإسكان فى المحليات .فمخالفات البناء تتم تحت مباركة وتواطؤ وتربح هؤلاء المسئولين. كذلك الحال فى مجال عمليات وصفقات الخصخصة التى تمت خلال العقدين الأخيرين، حيث شاب العديد منها الكثير من أعمال الفساد والهدر، وتم توثيقها فى الكثير من التقارير والقضايا والكتابات. ويمثل الإغراق الذى تتعرض له مصر منذ سنوات ويضر بالاقتصاد والصناعات الوطنية, نتاجا للفساد المستشرى فى المنافذ الجمركية.

لا يقل خطورة عما سبق، حالة الأجهزة الرقابية سواء المركزية منها مثل الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية أو النيابة الإدارية، أوالأجهزة الرقابية التابعة للوزارات والمحليات. فهذه الأجهزة التى يفترض أن تكون أدوارها موجهة لتعقب الفساد ومكافحته، وفرت ــ على العكس ــ مناخا مناسبا لكى يرتع الفساد وينتشر ويتغلغل فى كل المجالات، ولكى تتحول الدولة وأجهزتها إلى كيانات تحميه وتؤمن له وتخدم عليه.
الاهرام مصدرالاخبار